فتاوى مخلة بالاداب

منذ عشر سنوات تقريبا,أصدر الداعية الإسلامى المحترم( د.وجدى غنيم)شريطا هاجم فيه أحد شيوخ الأزهر لأنه قام ظهر بحلقة من برنامج تستضيفه فيه أحد المذيعات المتبرجات,الشيخ خفيف الظل قال بالحرف:(يعنى مفيش رجالة ف ماسبيرو؟لو مفيش قولولنا نجيب رجالتنا معانا!),و رغم أنى لست من هواة التصدر للمواضيع من طراز اللحية و النقاب فرض أم سنة و حكم الاختلاط و حدوده,و الأغانى ..إلخ,إلا أننى لم أستطع أن أتجاهل ملحوظة هذا الرجل:هذا برنامج دينى,يستضاف فيه شيخ مسلم,دينه يفرض بكل وضوح الحجاب,فلماذا لا تضع المذيعة الحجاب احتراما للبرنامج و الشيخ؟أو لماذا لا يستضيفه رجل؟و مع احترامى لكل شيوخ الفضائيات,هم ليسوا معصومين من فتنة النساء,لذا لا أستطيع أن آخذ بجدية أى شيخ يصدر فتاويه فى حضرة مذيعة فاتنة متبرجة!



بعد عشر سنين من هذا الشريط,وجدت نفسى أترحم على أؤلئك اللذين انتقدتهم فى سرى من قبل,فليت الأمر اقتصر على إقرار التبرج و الخضوع بالقول فى برنامج دينى,بل تطورالى حد إصدار فتاوى غريبة مثل جواز القبلات و الأحضان بين المتحابين و ثلاث سجائر لا تبطل الصوم(مشاهد اتصل يستفسر:هل يمكن استبدالهم بكوب شاى وسيجارة؟)و إرضاع الكبير!,كلها فتاوى حين أسمعها أنتظر من أفتى أن ينهى فتواه بعبارة مثل:و رقصنى يا جدااااااااااع,بدلا من و الله أعلم!


ما يحدث على ساحة الفتوى خطير جدا ,ليس الأمر متعلقا باحترام الدين فقط,و لا بتطاول هؤلاء المهرجين على جوهر الفقه فحسب,فأخطر أوجهه هو شريحة العامة ممن يستقون ثقافاتهم من الإعلام و هم ليسوا قلة.قد ينتج عن تزييف الفتاوى هذا جيل شاب مشوه الفكر الدينى,مبنية معتقداته الدينية على مزيج من الخرافات و الاعتقادات المضللة,ما يهدد بأن نجد بلادنا يوما لا تنقسم الى مسلمين و مسيحين فحسب,بل يحدث انقسام داخل دين الإسلام نفسه,ما بين شرائح ضالة مغيبة و شرائح متطرفة و شريحة صغيرة معتدلة تبحث عن حل لكل هذا.


لو أردت تحديد حجم المشكلة,لاحظ نوعية الأسئلة الدينية التى تسئل فى الفضائيات من قبل المشاهدين,تجد أن أغلبها حول الجنس و الجن و تفسير الأحلام و قضايا نزاع مدنى,لا توجد أسئلة فقهية,لا أحد يحاول أن يتعلم كيف يفكر؟بل الكل يريد أن يعرف :ماذا يفعل حين يحدث كذا؟و هل حرام أن يفعل كذا؟,ببساطة هذا شعب تعود أن يلقن أفكاره كلها,لو أضفنا الى هذا قدسية أى فكرة دينية و احترام كل من يبدأ كلامه قال الله و قال الرسول,تجد أننا أمام كارثة منتظرة:جيل ملقن مجموعة من الأفكار الدينية الفاسدة,متعصب لها بحكم السن و التعصب الدينى,يفضل أن يخوض حربا ضروس على أن يصدق أن أفكاره الدينية التى يعتنقها لسنوات هى أفكار مضللة..حين أفكر بهذا,أتخيل جيلا يحلل القبلات و اللمسات بين المتحابين و إرضاع المرأة لزميلها فى العمل و التدخين بنهار رمضان,بل و الأدهى أن يكون متعصب لكل هذا باعتباره أفكارا دينية مقدسة!



لا أحب أن أعتنق نظرية المؤامرة الجاهزة دوما لتفسير كل شىء,و التى بمقتضاها يكون هؤلاء الشيوخ عملاء الغرب المدسوسين علينا لإفساد ديننا,و لكنى لا أستطيع ألا تستفزنى هذه الفتاوى و أن العدوان على الدين لا يجد رقابة تقطع الفتاوى المخلة بالآداب.لا أستطيع ألا يستفزنى أن الإفتاء فى الدين هو الشىء الوحيد الذى لا تحتاج شهادة لممارسته فى بلادنا,و لا تحتاج تراخيص تدور فى أروقة الإدارات المحلية لإنهاء أوراقها,بل حتى لا توجد نقابة_مثل الممثلين و المغنيين_ترفض انضمام هذا أو ذاك لضعف مستواه !و الذى يستفزنى أكثر من كل هذا أن هذه الفوضى ليست بسبب الحرية الفكرية الدينية ,و سل عن هذا أى داعية محترم تعرض لقضية سياسية(لو وجدته لم ينف من بلده)و تحدث عن أى شىء بخلاف وجوب طاعة ولى الأمر!

اسعدنى تواجدكم اختى نغمة وهنودا